شهد السوق السعودي خلال هذا العام موجة من التقلّبات والتحديات، لكنها ترافقت أيضًا مع فرص استراتيجية استثنائية للمستثمرين. في ظل التغيرات العالمية، والتوجهات المحلية ضمن رؤية السعودية 2030، بات السوق أكثر نضجًا وتفاعلاً مع الأحداث الاقتصادية الإقليمية والدولية.

في هذا التحليل، نستعرض أبرز ما حدث في سوق الأسهم السعودي خلال الأشهر الماضية، ونحلل أداء المؤشرات العامة، سلوك القطاعات، اتجاهات السيولة، وتأثيرات الأحداث الجيوسياسية والاقتصادية.

أداء المؤشر العام (TASI)

المؤشر العام للسوق السعودي (TASI) بدأ العام بنبرة إيجابية مدعومة بتحسن أسعار النفط واستقرار الاقتصاد المحلي. ومع ذلك، شهدت الأشهر اللاحقة تذبذبات حادة نتيجة:

• تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة.
• تغيرات في أسعار الفائدة العالمية والمحلية.
• موجات جني الأرباح بعد ارتفاعات قوية.

بشكل عام، حافظ المؤشر على تماسكه فوق مستويات دعم فنية مهمة، مما يعكس نضج السوق وتنوع السيولة.

أبرز القطاعات الرابحة

قطاع الطاقة

بدعم من ارتفاع أسعار النفط والغاز، سجلت شركات الطاقة المدرجة أداءً قويًا. سهم أرامكو حافظ على استقرار نسبي رغم التغيرات السعرية العالمية، فيما أظهرت الشركات المتوسطة مرونة في الربحية.

القطاع البنكي

استفاد من رفع أسعار الفائدة، حيث ارتفعت أرباح البنوك بفضل زيادة هامش الربح من القروض. إلا أن بعض البنوك واجهت تحديات في السيولة والإقراض العقاري.

قطاع الاتصالات

سجل نموًا ملحوظًا نتيجة التوسع في خدمات الجيل الخامس وزيادة الطلب على البيانات. كما أن التوجهات نحو التحول الرقمي عززت من أرباح الشركات الكبرى في هذا القطاع.

القطاعات التي واجهت ضغوطًا

قطاع العقار والإنشاء

تأثر سلبًا بارتفاع تكاليف التمويل والتضخم في أسعار مواد البناء. كما أن تشدد السياسات الائتمانية للتمويل العقاري أثر على حركة السوق.

قطاع التجزئة

رغم تحسن الإنفاق الاستهلاكي في بعض الفترات، إلا أن المنافسة الشديدة والضغوط التضخمية أثرت على هامش الربح.

سلوك المستثمرين خلال العام

شهد السوق تراجعًا طفيفًا في مشاركة الأفراد مقارنة بالأعوام السابقة، بينما سجلت الاستثمارات المؤسسية والأجنبية نموًا لافتًا، خصوصًا في الشركات ذات العوائد المستقرة والقطاعات الدفاعية.

اتضح كذلك أن المستثمرين أصبحوا أكثر وعيًا بالتقييمات الأساسية، وأكثر تحفظًا في المضاربة، ما يشير إلى نضج استثماري متزايد.

السيولة وحجم التداولات

السيولة الكلية للسوق شهدت بعض الانخفاض مقارنة بالعام الماضي، نتيجة الحذر المرتبط بالعوامل العالمية، لكن تدفق السيولة الأجنبية وعودة الصناديق السيادية عززت التوازن في التداولات.

من اللافت أن متوسط حجم التداول اليومي ظل ضمن نطاق صحي، ما يعكس وجود اهتمام مستمر من المستثمرين المحليين والأجانب.

أبرز الطروحات والاكتتابات

شهد السوق خلال هذا العام عدة اكتتابات نوعية، أبرزها شركات في قطاعات التقنية والرعاية الصحية، والتي استقطبت اهتمامًا واسعًا وغطت بشكل كبير.

الطروحات أظهرت مدى جاذبية السوق السعودي للمستثمرين العالميين، بفضل البيئة التنظيمية والتقييمات المستقرة.

العوامل الاقتصادية المؤثرة

• أسعار النفط: ظلت العامل الأكبر تأثيرًا على السوق، سواء إيجابًا أو سلبًا.
• السياسة النقدية: ارتفاع أسعار الفائدة المحلية تبعًا للسياسات الأمريكية أثّر على شهية المخاطرة في السوق.
• رؤية 2030: الاستثمارات الضخمة في القطاعات غير النفطية أعطت دفعة للقطاعات الجديدة، وأعادت تشكيل مشهد السوق تدريجيًا.
• الإصلاحات الضريبية والمالية: عززت من شفافية السوق وزادت من جاذبية الاستثمار المؤسسي.

التوقعات المستقبلية

المؤشرات الفنية تشير إلى احتمالية دخول السوق في موجة تصحيح قصيرة الأمد، لكنها صحية وطبيعية ضمن المسار الصاعد طويل الأجل.
الأساسيات الاقتصادية لا تزال قوية، ودعم الدولة للقطاع الخاص مستمر، مما يجعل السوق السعودي في موقع جيد للاستفادة من أي تحسّن في البيئة الاقتصادية العالمية.

القطاعات التي يُتوقع أن تقود النمو في الفترة القادمة تشمل:

• التقنية والتحول الرقمي
• الرعاية الصحية
• الطاقة المتجددة
• الخدمات اللوجستية

أداء السوق السعودي خلال هذا العام يعكس مزيجًا من التحديات والفرص. رغم التذبذبات، أثبت السوق قدرته على التماسك واستيعاب الأحداث، بفضل تنوع القطاعات ووعي المستثمرين.

المستثمر الذكي هو من يقرأ المشهد الكلي، ويركز على التحليل الأساسي والفني، مع الالتزام بإدارة المخاطر والانضباط الاستثماري.